هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الماركسية: أهي فلسفة أم أيديولوجيا

اذهب الى الأسفل

44778 الماركسية: أهي فلسفة أم أيديولوجيا

مُساهمة من طرف ouchchane الخميس نوفمبر 27, 2008 4:53 pm

لقد أفرز التطور الفكري في أوربا في القرن التاسع عشر عديدا من التيارات
و المذاهب الفكرية و الفلسفية حتى عد بحق قرن ازدهار الأيديولوجيا. وقد كانت الماركسية التي ارتبطت بالفيلسوف الألماني كارل ماركس (1818-1883م) و كتابه الشهير " رأس المال " الذي ظهرت أولى أجزائه في العام 1867م هي التيار الفكري الأبرز الذي حظي باهتمام واسع جدا . وهذا الاهتمام يفوق في مداه ما حظيت به التيارات الأخرى . و لعل أهم الأسباب في هذه الحظوة الفريدة يمكن في حقيقة كون الماركسية كانت تنطوي على رؤيا اجتماعية فقد كان ماركس يرى أن الأفكار لا تدرس بمعزل عن سياقاتها الاجتماعية لأنها جزء من البنية الفوقية التي هي انعكاس للبنية التحتية التي تشمل علاقات الإنتاج و وسائله ، فضلا عن كونها فلسفة عميقة تتوفر على أهم خصائص المذاهب الفلسفية الكبرى . و قد عد الفيلسوف الفرنسي سارتر ، حين تحدث عن تطور الفكر الفلسفي الغربي ، كارل ماركس واحدا من كبار الفلاسفة الغربيين على مدى تاريخ الفلسفة الغربية إلى جانب أفلاطون و أرسطو و كانت و هيجل . و لكن الماركسية قد تعرضت للنقد لأسباب فلسفية تتعلق بنزعتها المادية المغالية ، و لأسباب فكرية لأن حركات و أحزابا سياسية ثورية قد استمدت من الفكر الماركسي أطاريحها الأيديولوجية . و هذا يعني أنها قد أفرزت نسخة أيديولوجية من النسخة الفلسفية . أو أن الأحزاب الماركسية قد عمدت إلى اشتقاق صيغة أيديولوجية من الفلسفة الماركسية . و لكن ما الفرق بين الفلسفة و الأيديولوجيا ؟
الحقيقة هي أن المجال يضيق تماما عن عرض تعاريف الفلسفة المختلفة ناهيك عن مناقشتها . لذلك سأورد تعريفا أساسيا شائعا في الكتابات الفلسفية . فالفلسفة يمكن أن تعرف على أنها فن إثارة الأسئلة بحثا عن المعرفة و الفهم للطبيعة و الإنسان أكثر من كونها اعتقادا بإجابات معينة . فالفيلسوف ، بموجب هذا التعريف ، هو من يحسن طرح الأسئلة المهمة و العميقة التي تبعث على التفكير بخصوص موضوعات الفلسفة الأساسية مثل : ما هو الوجود ؟ و هل يسبق الوجود الفكر أم العكس ؟ وهي أسئلة ميتافيزيقية . وما نستطيع أن نعرف ؟ و كيف نعرف ؟ و ما هي أسس المعرفة ؟ و هي الأسئلة المتعلقة بنظرية المعرفة . و ما هي أسس الأخلاق ؟ و كيف نعامل الآخرين ؟ و كيف نحب أن يعاملونا ؟ و هي أسئلة نظرية الأخلاق . و ما هو الجمال ؟ و ما هي طبيعة التجربة الجمالية ؟ و هي أسئلة علم الجمال . و هذه الأسئلة جميعا تغطي أهم مجالات البحث الفلسفي الذي يفترض في كبريات المذاهب الفلسفية أن تكون لها إسهامات أساسية و متفردة فيها . و لعل أي مطلع على الفلسفة الماركسية يعلم جيدا أنها قد أثارت أسئلة وقدمت تصورات قد نتفق معها أو نختلف ؛ و لكنها تبقى إسهامات مهمة و أصيلة في تاريخ الفلسفة الحديثة .
أما الأيديولوجيا ، أو العقيدة ، فإننا سنكتفي بالقول أنها منظومة محددة و مغلقة من الأفكار المترابطة منطقيا التي تشكل الأساس المعتمد في النظريات السياسية و الاقتصادية للأحزاب و المجموعات السياسية . أو هي مجموعة المعتقدات التي يحملها شخص أو جماعة أو حزب سياسي .
و من خلال الفحص الدقيق لتعريفي الفلسفة و الأيديولوجيا يمكن ملاحظة إن كلا من الفلسفة و الأيديولوجيا تتشابهان ظاهريا في كونهما يمثلان منظومتين فكريتين . ولكن هناك اختلافات جوهرية بينهما ؛ و تكمن في النقاط الآتية :
1. الفلسفة منظومة فكرية بحثية مفتوحة و قابلة للتطور ، بينما الأيديولوجيا تمثل منظومة محدودة و مغلقة .
2. تؤكد الفلسفة على حرية عملية التفكير و التفلسف ، بينما تنزع الأيديولوجيا إلى أن تكون عقيدة نهائية لها طابع الإطلاق .
3. لا ترتبط الفلسفة بشكل مباشر بالأحزاب و الجماعات السياسية ؛ و هذا هو السبب في وصف الفلاسفة بأنهم يعيشون في أبراج عاجية ، بينما تكون العلاقة بين الأيديولوجيا و الأحزاب و الجامعات السياسية وثيقة جدا إلى الدرجة التي تجعل تعريف الأيديولوجيا يستدعي للذهن تعريف الحزب السياسي و العكس صحيح .
4. قد تفرز الفلسفة نمطا نظريا يصلح لأن يكون أيديولوجيا كما هو الحال مع الماركسية التي كانت مهادا أيديولوجيا للأحزاب الشيوعية ، و لكن لا توجد أيديولوجيا أفرزت فلسفة ما على الإطلاق . فالفلسفة تنتج الأفكار ، أما الأيديولوجيا فهي تستهلك ما تنتجه الفلسفة .
5. نستنتج من كل ذلك أن الفلسفة أوسع أفقا و أكثر رحابة من الأيديولوجيا .
والآن ، هل الماركسية فلسفة أم أيديولوجيا ؟
نقول في الإجابة أن الماركسية بوصفها فلسفة مادية جدلية يمثلها كتاب " رأس المال "هي فلسفة بامتياز . أما الماركسية بوصفها مادية تاريخية ممثلة بالبيان الشيوعي فهي أيديولوجيا محضة . و لعل مبدأ الحتمية التاريخية الذي قالت به المادية التاريخية هو عقيدة و فهم محدد لمسار التاريخ أكثر منه إسهاما فلسفيا . و هو سبب الخلاف الجوهري بين كارل بوبر و كثير من المفكرين الماركسيين بسبب من أنه كان يعتقد " أنه يستحيل علينا التنبؤ بمستقبل التاريخ " كما قال في كتابه ( بؤس الأيديولوجيا ) . و هذا يعني أنه يجب التفريق بين الفلسفة الماركسية بوصفها تيارا فلسفيا أصيلا وكل ما أرتبط بها من صيغ أيديولوجية مختلفة ، حتى و إن كان القائل بها ماركس نفسه .

ouchchane
ouchchane
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 139
العمر : 37
الموقع : www.alone1.fr.gd
تاريخ التسجيل : 11/11/2008

https://atv2008.1talk.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى